يوم.. يومان.. ثلاثة.. وحدي في الغرفة كالحة الجدران, شاحبة الأضواء بعد أن عجز مصباح النيون الوحيد المصفر الذي يتوسط سقفها عن إكمال إنارتها, مكيفة الهواء, محكمة الإغلاق..
كالقبر, أنتظر زوجتي لتناولني الدواء, وقبلة الصباح بين العينين, قبل أن تخرج للعمل مخلفة وراءها صدي وقع أقدامها الذي يذبل شيئا فشيئا, لكنه يبقي عالقا بأذني حتي تعود. تهاتفني في الثالثة لتذكرني بالجرعة الثانية, وحين تعود تناولني جرعة المساء, وقبلة المساء, ثم تنام في الغرفة المجاورة. يوم.. يومان.. خمسة.. قرأت الجريدة القديمة مرتين.. ربما ثلاثة, وتفحصت ألبوم الصور- ربما- مرتين كذلك, في الصور جميعها دوما نظهر ثلاثتنا معا, أنا وهي وندا.. ابنتنا الوحيدة, مرة عند البحر, وأخري في عيد ميلاد طفل غريب مكتنز ذي وجه ضحوك, وفي صورة جماعية مع خمسة أشخاص آخرين, لعل ذلك كان في حفل زفاف. هاتفت ثلاثة أرقام عشوائية.. ربما أربعة, لكنها جميعا لم ترد, في المرة الخامسة جاء صوته واثقا ومملا عبر الرسالة المسجلة, زوج صديقتي القديمة, ولاء عبدالعليم سلام, حبيبة أيامي الخابية:' لا أحد هنا.. من فضلك أترك رسالتك بعد سماع الصفارة, سنحاول الاتصال بكم فور عودتنا للمنزل'. يوم.. يومان.. سبعة.. تنظف الخادمة المكان بكسل واضح, وبإهمال أتجاهله, تنزع الستائرالقذرة حتي تغسلها, تفترش الشمس سريري مقتحمة عيني طوال النهار, تستبدل الملاءة البيضاء ذات البقعة الصفراء بقرف, تحملني من تحت الإبطين, غير عابئة بعظامي التي' تطقطق' تحت أصابعها الخشنة, تعيدني للفراش, تدعوني بلهجة آمرة لعدم إلقاء المناديل الورقية علي الأرضية, ووضعها في السلة البلاستيكية الملاصقة للفراش. هذه المرأة لا تعلم أن متعتي الوحيدة هي قذف المناديل المستعملة لأقصي أركان الغرفة الأربعة, بها أختبر قوة ذراعي, وأتأكد أنني ما زلت قادرا علي التصويب, وأخرج من أسر عالمي المحدود بالورود المطرزة علي حواف الملاءة.. لمدي أكثر بعدا. لا.. نسيت.. هناك تسلية أخري, كنت أعبث بعصاي الخشبية في وبر السجادة البالية الذي يسكنه الغبار معظم أيام الأسبوع, كنت أخط بها خطوطا طولية متقاطعة مع أخري عرضية, وأحيانا أكتب أسماء بعض أصدقائي القدامي حتي لا أنساهم..' آآآآآآه.. لو يتصل بي أحد منهم'. قبل أن تصفق الباب خلفها.. تذكرني بضرورة مراعاة مواعيد الدواء, و أن' آخذ بالي من صحتي', قالت عبارتها الأخيرة دون أن تلتفت. يوم.. يومان.. تسعة.. تترامي إلي من الخارج أصوات متداخلة لنساء ورجال, أميز بينها صوت ذلك الشاب ذي اللحية الخفيفة الذي يزورني آحيانا.. ربما يكون خطيب ابنتي, ميزت كذلك صوت زوجتي, كانت تتحدث بنبرة عالية وبعصبية مبالغ فيها, لتبدو قوية أمام أمه وأبيه, ومن بعيد تتردد في الأجواء أغنية مرحة لمطرب لا أعرفه, بينما ملعقة راقصة تصطك بأكواب الشاي في المطبخ الملاصق لغرفتي, وجلسة تمتد بطول الليل, ثم قبلات فاترة تتقاسمها شفاه النساء قبل الوداع. يوم.. يومان.. تتسلل ابنتي حافية في الليل, يهمس باطنا القدمين بسرهما لأرض الغرفة, خفيفة كفراشة, تحاذر أن تشعر بها أمها, تحاذر السقوط والارتطام بالأشياء, لكن يدها تغافلها و ترتطم بعلبة الدواء الفارغة منذ أيام ثلاثة, فتسقطها بغير ضجيج, تحمل الهاتف الأرضي بكلتا اليدين ثم تنسحب في هدوء, ربما تعرض هاتفها المحمول لعطل مفاجئ, أو ربما أنهت رصيدها في مكالمة ليلية طويلة. يوم.. يوم.. يوم.. يوم في كل صباح تطالعني المساحة المربعة التي خلفها الهاتف في وسط المنضدة الزجاجية المغبرة, ظلت كما هي, نظيفة ولامعة, كأثر الجريمة, يخفيه القاتل فيزداد وضوحا, بينما أبقي أنا ممدد إلي جوارها, يوقظني انعكاس شعاع الشمس اللحوح عليها, فأصحو قبل كل من في المنزل, أطالعها بعين منكسرة.. وأنتظر عودة هاتفي ليواريها من جديد.
كالقبر, أنتظر زوجتي لتناولني الدواء, وقبلة الصباح بين العينين, قبل أن تخرج للعمل مخلفة وراءها صدي وقع أقدامها الذي يذبل شيئا فشيئا, لكنه يبقي عالقا بأذني حتي تعود. تهاتفني في الثالثة لتذكرني بالجرعة الثانية, وحين تعود تناولني جرعة المساء, وقبلة المساء, ثم تنام في الغرفة المجاورة. يوم.. يومان.. خمسة.. قرأت الجريدة القديمة مرتين.. ربما ثلاثة, وتفحصت ألبوم الصور- ربما- مرتين كذلك, في الصور جميعها دوما نظهر ثلاثتنا معا, أنا وهي وندا.. ابنتنا الوحيدة, مرة عند البحر, وأخري في عيد ميلاد طفل غريب مكتنز ذي وجه ضحوك, وفي صورة جماعية مع خمسة أشخاص آخرين, لعل ذلك كان في حفل زفاف. هاتفت ثلاثة أرقام عشوائية.. ربما أربعة, لكنها جميعا لم ترد, في المرة الخامسة جاء صوته واثقا ومملا عبر الرسالة المسجلة, زوج صديقتي القديمة, ولاء عبدالعليم سلام, حبيبة أيامي الخابية:' لا أحد هنا.. من فضلك أترك رسالتك بعد سماع الصفارة, سنحاول الاتصال بكم فور عودتنا للمنزل'. يوم.. يومان.. سبعة.. تنظف الخادمة المكان بكسل واضح, وبإهمال أتجاهله, تنزع الستائرالقذرة حتي تغسلها, تفترش الشمس سريري مقتحمة عيني طوال النهار, تستبدل الملاءة البيضاء ذات البقعة الصفراء بقرف, تحملني من تحت الإبطين, غير عابئة بعظامي التي' تطقطق' تحت أصابعها الخشنة, تعيدني للفراش, تدعوني بلهجة آمرة لعدم إلقاء المناديل الورقية علي الأرضية, ووضعها في السلة البلاستيكية الملاصقة للفراش. هذه المرأة لا تعلم أن متعتي الوحيدة هي قذف المناديل المستعملة لأقصي أركان الغرفة الأربعة, بها أختبر قوة ذراعي, وأتأكد أنني ما زلت قادرا علي التصويب, وأخرج من أسر عالمي المحدود بالورود المطرزة علي حواف الملاءة.. لمدي أكثر بعدا. لا.. نسيت.. هناك تسلية أخري, كنت أعبث بعصاي الخشبية في وبر السجادة البالية الذي يسكنه الغبار معظم أيام الأسبوع, كنت أخط بها خطوطا طولية متقاطعة مع أخري عرضية, وأحيانا أكتب أسماء بعض أصدقائي القدامي حتي لا أنساهم..' آآآآآآه.. لو يتصل بي أحد منهم'. قبل أن تصفق الباب خلفها.. تذكرني بضرورة مراعاة مواعيد الدواء, و أن' آخذ بالي من صحتي', قالت عبارتها الأخيرة دون أن تلتفت. يوم.. يومان.. تسعة.. تترامي إلي من الخارج أصوات متداخلة لنساء ورجال, أميز بينها صوت ذلك الشاب ذي اللحية الخفيفة الذي يزورني آحيانا.. ربما يكون خطيب ابنتي, ميزت كذلك صوت زوجتي, كانت تتحدث بنبرة عالية وبعصبية مبالغ فيها, لتبدو قوية أمام أمه وأبيه, ومن بعيد تتردد في الأجواء أغنية مرحة لمطرب لا أعرفه, بينما ملعقة راقصة تصطك بأكواب الشاي في المطبخ الملاصق لغرفتي, وجلسة تمتد بطول الليل, ثم قبلات فاترة تتقاسمها شفاه النساء قبل الوداع. يوم.. يومان.. تتسلل ابنتي حافية في الليل, يهمس باطنا القدمين بسرهما لأرض الغرفة, خفيفة كفراشة, تحاذر أن تشعر بها أمها, تحاذر السقوط والارتطام بالأشياء, لكن يدها تغافلها و ترتطم بعلبة الدواء الفارغة منذ أيام ثلاثة, فتسقطها بغير ضجيج, تحمل الهاتف الأرضي بكلتا اليدين ثم تنسحب في هدوء, ربما تعرض هاتفها المحمول لعطل مفاجئ, أو ربما أنهت رصيدها في مكالمة ليلية طويلة. يوم.. يوم.. يوم.. يوم في كل صباح تطالعني المساحة المربعة التي خلفها الهاتف في وسط المنضدة الزجاجية المغبرة, ظلت كما هي, نظيفة ولامعة, كأثر الجريمة, يخفيه القاتل فيزداد وضوحا, بينما أبقي أنا ممدد إلي جوارها, يوقظني انعكاس شعاع الشمس اللحوح عليها, فأصحو قبل كل من في المنزل, أطالعها بعين منكسرة.. وأنتظر عودة هاتفي ليواريها من جديد.