عيون الاخبار لاحدث الاخبار

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
عيون الاخبار لاحدث الاخبار

جميع الاخبار السياسية و الفنية و الرياضية و الصحية و العلمية و الاقتصادية

make money

    قصة: الشاطئ للروائي الفرنسي: ألن روب جرييه

    eyesnews
    eyesnews
    صاحب المنتدى
    صاحب المنتدى


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 555
    تاريخ التسجيل : 08/03/2014

    متميز قصة: الشاطئ للروائي الفرنسي: ألن روب جرييه

    مُساهمة من طرف eyesnews الأحد نوفمبر 08, 2015 2:05 am

    ثلاثة أطفال يسيرون علي الشاطئ‏.‏ يتقدمون للأمام‏,‏ جنبا لجنب‏,‏ متماسكين بالأيدي‏.‏ كلهم بالطول نفسه تقريبا‏,‏ والعمر نفسه تقريبا‏:‏ حوالي الثانية عشرة‏.‏ علي رغم ذلك‏,‏ يبدو من بالوسط أصغر قليلا من الاثنين الآخرين‏.‏ وبعيدا عن هؤلاء الأطفال الثلاثة‏,‏ كان الشاطئ الطويل كله مهجورا‏.‏

    قصة: الشاطئ للروائي الفرنسي: ألن روب جرييه Images?q=tbn:ANd9GcTJnry92sQJyvXJHHPjNkVl-fQX0arxFjR5PdkaV4dfBZoY6oKlNg

    الشاطئ متسع نوعا, مجرد شريط من الرمل, بدون صخور معزولة ولا برك, وبأدني درجة من الانحدار بين الجرف المائل صعب الاجتياز والبحر. يوم رائع. تنير الشمس الرمل المصفر بضوء عمودي صارخ. وما من غمامة بالسماء. لا رياح كذلك. الماء أزرق ساكن, من دون أدني موج من البحر المفتوح, مع أن الشاطئ منكشف كالأفق البعيد. لكن علي فترات منتظمة, تهل موجة مفاجئة, علي الشكل نفسه دائما, تنشأ علي بعد ياردات قليلة من الساحل, فجأة ترتفع ثم تنكسر علي الفور, في الخط نفسه دائما. ولا يعلم المرء مدي الانطباع الذي يخلفه ماء يتدفق ثم ينحط, بل علي النقيض, كأن الحركة كلها تكتمل في المكان نفسه. يولد انتفاخ المياه في البداية يأسا طفيفا علي جانب الشاطئ, ثم ترتد الموجة قليلا, بدمدمة الحصي المتدحرج, ثم تنفجر, وهي تنتشر بصورة لبنية علي المنحدر, لكنها تكتسب فقط تلك الأرض التي خسرتها. وبين الحين والآخر ترتفع أعلي قليلا وهي ترطب لوهلة بضع بوصات. ثم يرجع كل شيء ساكنا من جديد, البحر رخي وأزرق, يقف عند المنسوب نفسه تحديدا علي الرمل المصفر بطول الشاطئ, حيث يسير الأطفال الثلاثة, جنبا لجنب.
    كلهم شقر, بلون الرمل تقريبا; جلودهم أدكن قليلا, وشعورهم مبيضة قليلا. ملابس الثلاثة كلها متشابهة, شورت وقميص, كلها من كتان أزرق باهت خشن. يسيرون جنبا لجنب, متماسكين بالأيدي, في خط مستقيم, يتوازي مع البحر ويتوازي مع الجرف, متساوي البعد تقريبا عن كليهما, لكن أقرب إلي الماء. الشمس في الذروة, فهي لا تترك أي ظلال علي أقدامهم. أمامهم رمل بكر, مصفر وناعم من صخور الماء. يتحرك الأطفال نحو الأمام علي خط مستقيم, في سرعة معتدلة, دون أدني انعطاف ولو قليلا, هادئين, متماسكين بالأيدي. خلفهم الرمل, رطب تقريبا, تميزه علامات من خطوط ثلاثة مطبوعة خلفتها الأقدام العارية, سلسلة من آثار أقدام متشابهة علي مسافات متساوية, عميقة نوعا, غير منقوصة. ينظر الأطفال أمامهم. لا يلمحون الجرف الطويل يسارهم, أو البحر, حيث تنفجر موجاته القليلة دوريا, علي الجانب الآخر. انحنوا نوعا ليستديروا وهم يكرون أبصارهم علي المسافة التي جاءوا منها. ويواصلون علي دربهم دون أية خطوات متعجلة.
    أمامهم سرب من طيور البحر تتهادي علي الساحل, عند حافة الأمواج بالضبط. تتحرك بموازاة الأطفال, في الاتجاه نفسه, علي بعد مئة ياردة منهم. ولأن الطيور تتهادي أسرع قليلا, كان الأطفال يلاحقونها. وبينما يمحو البحر آثار أقدامهم بشكل النجمة دائما, تظل مطبوعة بوضوح في الرمل المرطب تقريبا, حيث تواصل دربها الخطوط الثلاثة المطبوعة. عمق هذه الآثار ثابت, أقل من بوصة. ليست مشوهة, إما بحواف مهارة, أو بانطباع عميق لإصبع أو كعب. يبدو أنها تثقب آليا طبقة سطحية رقيقة بالأرض متحركة. يمتد الخط الثلاثي إلي بعيد, ويضيق في الوقت نفسه, ليصبح أبطأ, كي يندمج بخط واحد, يقسم الساحل إلي شريطين علي مدي طوله, ثم ينتهي في دقيقة بحركة آلية علي المدي البعيد: السقوط والارتفاع المتبدلان لستة أقدام عارية, كأنها تقريبا تحدد الزمن. ولأن هذه الأقدام العارية تتحرك لبعيد, فقد كانت تقترب من الطيور. لم يكن لهم أن يقطعوا الأرض مسرعين, لكن المسافة المعلقة الفاصلة بين المجموعتين راحت تتقلص أكثر, في عجلة, بالمقارنة مع المسافة التي قطعوها فعليا. والآن تفصل بينهما مجرد خطوات قليلة فحسب. لكن حين يبدو الأطفال علي وشك اللحاق أخيرا بالطيور, كانت تخبط أجنحتها فجأة وهي تسرع بالطيران, يطير واحد أولا, ثم اثنان, بعدها عشرة وكل الطيور البيضاء والرمادية في السرب ترسم قوسا فوق البحر ثم تنزل ثانية علي الرمل لتبدأ التهادي مرة أخري, لا تزال بالاتجاه نفسه, عند حافة الأمواج بالضبط, علي بعد مئة ياردة تقريبا. وتبدو حركة المياه لدي هذه المسافة تقريبا غير مدركة, عدا ربما التغير المفاجئ في اللون, كل عشر ثوان, في اللحظة التي تلمع فيها الرغوة المنفجرة في الشمس.
    لا يلحظون آثارا يحفرونها بدقة في ذلك الرمل البكر, ولا الأمواج القليلة التي علي يمينهم, ولا الطيور, الطائرة الآن, المتهادية الآن, أمامهم, يتحرك الأطفال الشقر الثلاثة للأمام جنبا لجنب, بخطوات متسارعة, متماسكين بالأيدي. وجوههم الثلاثة المحروقة بالشمس, الأدكن من شعرهم, تتشابه. والتعبير هو هو: جاد, متنبه, متوتر قليلا. ملامحهم أيضا متماثلة, مع أنه يتضح أن اثنين من هؤلاء الأطفال الثلاثة صبيان والثالث بنت. شعر البنت أطول قليلا, ملفوف قليلا, وأضلاعها أنحف قليلا. لكن ملابسهم متشابهة تماما; شورت وقميص, كلها من كتان أزرق باهت خشن. البنت أقصي اليمين, أقربهم للبحر. يسارها الولد, الذي يبدو أصغر قليلا من الاثنين. الولد الآخر, الأقرب إلي الجرف, بطول البنت. أمامهم يتمدد الرمل المصفر الناعم قدر ما يتسع مدي العين. ويسارهم يرتفع حائط, عمودي تقريبا, من حجارة بنية, لا يظهر طريق عبره أبدا. ويمينهم منسوب سطح البحر, ساكنا أزرق كله علي مدي الأفق, تتهدب عليه موجة صغيرة مفاجئة, تنفجر فورا وهي تهرب في الرغوة البيضاء.
    وبعد عشر ثوان, يتجوف الماء المنتفخ من جديد, بالهبوط نفسه علي جانب الساحل, في دمدمة من حصي يتدحرج. تنفجر موجة صغري, ترفع الرغوة اللبنية المنحدر, وهي تكسب بضع بوصات من الأرض التي خسرتها. وخلال الصمت التالي, يسمع رنين جرس بعيد في الهواء الرخي. ها هو الجرس يقول أصغر الولدين, السائر بالوسط. لكن صوت الحصي يمتصه البحر الذي يغرق الرنين الخافت. عليهم الانتظار حتي نهاية الدورة لتسمع الأصوات الواهنة المتبقية, التي تشعبها المسافة. يقول الولد الأكبر هو الجرس الأول. تنفجر موجة صغري, يمينهم. وحين تهدأ الأمور مرة أخري, لا يعود بوسعهم سماع أي شيء. ولا يزال الأطفال الشقر الثلاثة سائرين بالإيقاع المنتظم نفسه, ثلاثتهم, متماسكين بالأيدي. أمامهم, عدوي مفاجئة تؤثر علي سرب الطيور, فتبتعد قليلا عنهم, تخبط أجنحتها وهي تطير. ترسم القوس نفسه فوق الماء, ثم تنزل إلي الرمل لتبدأ التهادي ثانية, لا تزال في الاتجاه نفسه, عند حافة الأمواج تماما, علي بعد مئة ياردة تقريبا.
    واصل أصغر الولدين قد لا يكون الأول, إن لم نسمع الآخر, قبل. فرد الولد الذي جنبه ربما سمعناه هو نفسه. لكن هذا لم يجعلهم يعدلون من خطوهم, وتواصل الآثار نفسها الظهور خلفهم, بينما كانوا يسيرون علي الطريق, تحتهم ستة أقدام عارية. تقول البنت لم نكن قريبين, من قبل. بعد لحظة, يقول أكبر الولدين, الذي كان جنب الجرف لا يزال أمامنا درب طويل. ثم سار ثلاثتهم في صمت. ظلوا ساكتين حتي رن الجرس, غير واضح, مرة أخري, في الهواء الساكن. قال عندئذ أكبر الولدين ها هو الجرس. ولم يرد الآخران. أما الطيور, وكانوا علي وشك اللحاق بها, فتخبط أجنحتها وهي تطير, يطير واحد أولا, ثم اثنان, بعدها عشرة ثم حط السرب كله علي الرمل ثانية, وهو يتحرك علي طول الساحل, حيث يبعد مئة ياردة أمام الأطفال. يمحو البحر باستمرار آثار أقدامهم علي شكل النجمة. وفي الجانب الآخر, كان الأطفال السائرون قرب الجرف, جنبا لجنب, متماسكين بالأيدي, يتركون آثار أقدام عميقة خلفهم, حيث يستطيل الخط المضاعف متوازيا مع الساحل عبر الشاطئ الطويل. يمينهم, جنب منسوب البحر الساكن, بالمكان نفسه, تنفجر الموجة الصغري نفسها.


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 9:57 am